الإطار المرجعـــي لتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها
نسعى من خلال هذه الورقة إلى بلورة إطار مرجعي واضح لتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها مع توجيهات عملية مستمدة من اللسانيات و علوم التربية لمساعدة القائمين على تدريس هذه اللغة بكيفية تتناسب مع الطرق البيداغوجية المعتمدة في فرنسا و فِي بعض أقطار غرب أوروبا عموما.
إن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من اللغات يتطلب منا الإجابة عن بعض الأسئلة المحورية لتحديد الأولويات والأهداف وكذا الطرق والوسائل الكفيلة بتحقيقها:
أولا : أية لغة عربية ندرس؟ (العامية، الفصحى، الكلاسيكية، لغة الأدب والشعر …)
ثانيا : كيف يمكن اختيار برنامج مناسب لتعليم هذه اللغة في أقطار غرب أوربا ؟
ثالثا : كيف يمكن تحديد مستوى العتبة الخاص بكل مستوى وعلى أي أساس؟
رابعا : ماهو الإطار النظري والبيداغوجي الذي سوف يتم اعتماده؟
من خلال هذه الورقة سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة انطلاقا من الاعتبارات التالية :
اعتبار اللغة العربية الفصحى المعيارية الحديثة La langue arabe standard moderne/ الأساس والمنطلق الذي يجب أن يعتمده كل تصور لأي برنامج تعليمي ، ذلك أن الفصحى الحديثة تتميز بتماسكها وغناها، إضافة إلى اتصافها بكل المقومات التي تجعلها لغة بالمعنى اللساني من حيث التركيب والدلالة والأهم من هذا أنها حية و متداولة .
اعتبار الإطار الأوربي المرجعي الموحد لتعليم اللغات/ CECRL يشكل مقاربة حديثة تحدد الأهداف والكفايات التواصلية المنشودة بدقة والأهم من ذلك أنها تقدم قاعدة موحدة Base commune بين جميع اللغات الحية Inter-langues لتصميم ووضع البرامج والمقررات .
هذا من شأنه تجنب العشوائية في تعليم و تعلم اللغة العربية إذ سيمكن المتعلم من الاستفادة من شواهد معترف بها تحدد بدقة المستوى المحصل عليه من المستويات الست التي يحددها الإطار المرجعي وسيجنب المدرسين والمربين و عموم القيمين على تدريس هذه اللغة الجميلة من التخبط في بحر من المقررات والمناهج غير ذات قيمة علمية أوتربوية.
واضح إذن أنه في ظل هذا التخبط الحالي يستحيل وضع أي تصور لبرنامج اللغة العربية بأقطار غرب أوربا وفي فرنسا بالتحديد خارج مقتضيات الإطار الأوربي المرجعي الموحد لتعليم اللغات فهو وحده الكفيل بتحديد القدرات اللغوية المنتظرة وطرق اكتسابها من طرف المتعلم في كل مستوى. وكذا الأنشطة اللغوية اللازمة لتفعيل وأجرأة هذا التعليم وكذا الغلاف الزمني اللازم في احترام تام لخصوصيات المتعلم والإطار العام الذي يتحكم في مسار عملية التعلم (زمان ومكان التدريس)
اعتبار البعد القيمــي والثقافــي:
إن اعتماد المقاربات البيداغوجية الحديثة لا ينفي بأي حال الأخذ بعين الاعتبار للبعد الثقافي والديني للمتعلم ففي هذا احترام لخصوصية اللغة وأهلها. كما يجب تقديم معلومات تناسب القيم الإنسانية المتفق بشأنها في جميع المجتمعات كالتسامح والتعارف والسلم والتضامن...فهذه القيم تمثل قيما سلوكية يمكن تمريرها عبر بنيات لغوية بسيطة مثلا التحية والسلام أو طلب الإذن والسماح أو تقديم الشكر أو تقديم النفس والتعريف بها...ويمكن أيضا أن يتم توظيف بعض المناسبات الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى ورمضان من خلال مختلف الأجناس القرائية أو النصوص الحوارية بحيث تتضمن التوجهات والقيم السلوكية الإيجابية التي تساهم في تكوين السلوك الإيجابي للمتعلم وتبني هويته العربية الإسلامية وتقوي شخصيته، من قبيل الحث على صلة الرحم وزيارة الأقارب و تقديم تهاني العيد .. .
اعتبار مبادئ وأسس اللسانيات الحديثة وديداكتيك اللغات ضرورة ملحة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بأيسر السبل لأنها تتوخى تذليل الصعوبات واستخدام القواعد البيداغوجية المعتمدة ببلدان الإقامة بشكل يجعل المتعلم يقدر قيمة هذه اللغة وأهميتها في حياته ومساهمتها في تنمية مداركه وتعزيز ارتباطه بثقافته . وأهله في وطنه الأم، وينمي قدراته على الإصغاء والتحدث والقراءة والكتابة بلغة عربية سليمة وصحيحة.
اعتبار اللغة العربية كبقية اللغات الحية يجب النظر إليها كنسق، وهذا يعني أننا لن نستطيع أن نبدأ في تعلمها عشوائيا وبأية وسيلة، لأن النسق يتطلب أن يندمج كل عنصر مع عناصر أخرى وكل مكون من البنية يجتمع مع مكونات أخرى ،وهذا الارتباط يتم بموجب علاقات عضوية تجعل من اللغة نظاما مبنيا ومتماسكا بحيث أن أي عنصر ضمن النسق لا يكون له معنى ولا فائدة إلا داخل ألنسق وكذا كل بنية دلالية أو تركيبية تندمج ببنية أخرى داخل المجموعة اللغوية.
Ajouter un commentaire
Commentaires